التواصل الاستخباراتي الأميركي مع روسيا يعزز سياسة «واجب التحذير»


قبل أسبوعين من الهجوم الإرهابي على مسرح موسكو الذي أسفر عن مقتل أكثر من 130 شخصاً في مارس، أخطرت الاستخبارات الأميركية الروس بهجوم وشيك كان يخطط له تنظيم «داعش-خراسان» الإرهابي.

وقبل ذلك بأسابيع قليلة، حذرت الولايات المتحدة المسؤولين الإيرانيين من هجوم قادم في كرمان، عندما قتل انتحاريون أكثر من 100 شخص كانوا يحضرون حفل تأبين لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني.

قد يصاب كثير من الناس بصدمة من أن حكومة الولايات المتحدة ستبذل قصارى جهدها لتبادل المعلومات الاستخباراتية الحساسة مع من هم أشد خصومها، وتنبيههم إلى الهجمات الوشيكة، لكنها في الواقع جزء من سياسة رسمية تُعرف باسم «واجب التحذير».

وباعتبارنا خبيرين سابقين في وكالة المخابرات الأميركية المركزية، وباحثين في قضايا الإرهاب، فإننا نعلم أن هذا النهج لديه قدرة على تعزيز الأمن للأميركيين وغيرهم من المواطنين في جميع أنحاء العالم، لكنه لا ينجح إلا إذا كان هناك تعاون دولي حقيقي في مكافحة الإرهاب، وهو أمر ينقص بشكل متزايد.

إن تبادل المعلومات المهمة بين الحكومات قائم منذ عقود، لكن «واجب التحذير» الرسمي جديد نسبياً. وتم تحديد هذه السياسة في وثيقة تُعرف باسم «توجيه مجتمع الاستخبارات رقم 191»، في عام 2015 لإنشاء «نهج منسق لكيفية تقديم مجتمع الاستخبارات تحذيراً بشأن التهديدات الموجهة إلى أفراد أو مجموعات محددة بالقتل المتعمد، أو الاعتداءات الجسدية الخطرة».

وإضافة إلى السياسة الفيدرالية المتمثلة في «واجب التحذير»، هناك أسباب أخلاقية ومعنوية في ما يخص تبادل المعلومات حول التهديدات المحتملة. ليس فقط أن منع تعرض المدنيين الأجانب للأذى هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله، لكن يمكن أن يتأثر المواطنون الأميركيون أيضاً إذا صادف وجودهم في المكان المستهدف. علاوة على ذلك، فإن تبادل المعلومات مع الدول الأخرى يساعد في إبقاء قنوات الاستخبارات الحيوية مفتوحة، ما يمكن أن يساعد في تعزيز الأمن القومي الأميركي.

حدود واضحة

ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالتعاون مع دول أخرى، وخصوصاً الأنظمة غير الديمقراطية، مثل روسيا أو إيران أو سورية، يجب أن تكون هناك حدود واضحة. وحالات عدم العمل بسياسة «واجب التحذير» موجودة. على سبيل المثال، لن تحذر الولايات المتحدة أبداً أي جماعة إرهابية، ولن تُخطر دولة معادية إذا كان هناك هجوم يستهدف جيشها.

وتتضمن العملية نفسها أولاً، فحص المعلومات الاستخباراتية، وحماية المصادر والأساليب، وهو أمر مهم بشكل خاص في الحالات التي تقوم فيها الولايات المتحدة بتمرير معلومات استخباراتية حساسة إلى الخصم. وسيكون الهدف من هذا الفحص هو توفير ما يكفي من المعلومات الاستخباراتية القابلة للتنفيذ للمساعدة في إحباط الهجوم، لكن ليس بما يكفي حتى يتمكن خصوم الولايات المتحدة من إجراء هندسة عكسية لمصدر المعلومات.

ولكن حتى مع التحذيرات التي قدمتها الولايات المتحدة، لم يتمكن الروس ولا أجهزة الأمن الإيرانية من منع الهجمات الأخيرة. وفي الأساس، تستطيع الولايات المتحدة أن تقود الحصان إلى الماء، لكنها لا تستطيع أن تجعله يشرب.

ولايزال من غير الواضح ما إذا كانت موسكو وطهران قد تجاهلتا هذه التحذيرات، أو ما إذا كانتا قد أرسلتا قوات مكافحة الإرهاب لعرقلة الهجمات، لكنهما ببساطة لم تتمكنا من القيام بذلك في الوقت المناسب. وبدا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يسخر من التحذيرات الصادرة من واشنطن قبل الهجوم الإرهابي، حيث علق قائلاً: «التصريحات الاستفزازية الصادرة عن عدد من الهياكل الغربية الرسمية في ما يتعلق بهجمات إرهابية محتملة في روسيا، تشبه الابتزاز الصريح ونية تخويف مجتمعنا وزعزعة استقراره».

قد يكون أحد الدروس التي يمكن أن تتعلمها موسكو، هو مخاطر تصديق الكرملين لدعايته الخاصة. وبالنسبة لأولئك الذين تعاملوا منا مع أجهزة الأمن الروسية، فإن عدم الثقة بنظرائهم الأميركيين واضح بشكل صارخ في جميع الأوقات، لدرجة أنه قد يكون من الصعب عليهم فهم أن الولايات المتحدة يمكن أن تتصرف بحسن نية. ومثل هذا التفكير سينطبق على إيران أيضاً. ولا ننسى أن الولايات المتحدة، في جوهرها، تخوض حروباً غير مباشرة ضد كلا البلدين، لذا فإن انعدام الثقة منتشر، وكثيراً ما يشتبه في وجود حيل.

معلومات مجزأة

والسبب الآخر الذي قد يجعل الدول الأخرى لا تتفاعل، هو أن التحذيرات ليست كلها واضحة أو دقيقة. وفي حين أن المعلومات الاستخبارية التي تحتوي على تفاصيل محددة تتعلق بالتوقيت والموقع والجناة، تكون أكثر فائدة بشكل واضح، فإن الولايات المتحدة ترسل أحياناً معلومات مجزأة في حالة تمكّنها من تأكيد ما جمعته الدولة المتلقية بالفعل.

والفكرة هي أن شيئاً أفضل من لا شيء، وحتى المعلومات الاستخباراتية المجزأة يمكن أن تكون بمثابة قطعة أحجية حاسمة لتحقيق أوسع. ولكن حتى عندما يقوم مجتمع الاستخبارات الأميركي بتمرير المعلومات إلى «أعدائنا»، فإن العملية نادراً ما تكون متبادلة، هذا إن حدث ذلك أصلاً. ويشير البعض إلى مثال الروسي تامرلان تسارناييف، وهو مواطن أميركي زار داغستان في ربيع عام 2012، ومضى في ارتكاب تفجيرات «ماراثون بوسطن» برفقة شقيقه دزكار. ولكن حتى في هذه الحالة، اكتفى الروس بتمرير اسم تسارناييف وأشاروا إلى أنه يشكل خطراً. ولم يتم تقديم سوى القليل من التفاصيل الأخرى، بما في ذلك نيته الانضمام والقتال مع المتمردين في القوقاز.

لم يكن هذا – في الواقع – سيناريو واجب التحذير، بل كان مجرد توفير معلومات أساسية عن إرهابي مشتبه به، كجزء من التبادل لمعلومات مكافحة الإرهاب بين الولايات المتحدة وروسيا. وعلى الرغم من سياسة «واجب التحذير»، فإن معظم مسؤولي مكافحة الإرهاب الأميركيين لا يتوقعون أبداً أن يفعل «خصومنا الشيء نفسه».

ولكي نكون واضحين، فإن واجب التحذير ليس مجرد عمل من أعمال حسن النية، لأن نقل مثل هذه المعلومات له فائدة في إظهار مدى وصول الاستخبارات الأميركية إلى خصومنا بطريقة لا تنطوي على تهديد. وفي الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة أن تكون حذرة لأن التبادلات الأساسية لمكافحة الإرهاب، يمكن أن تتحول – في بعض الأحيان – إلى شيء أكثر من ذلك.

مخاوف مشروعة

هل نرغب في توسيع علاقاتنا في مجال مكافحة الإرهاب مع «طالبان»، لتشمل – على سبيل المثال – منحها معدات تحديد الموقع الجغرافي لاستخدامها ضد «داعش-خراسان؟». وفي حين أن هذا يبدو مفيداً، على الأقل من الناحية النظرية، فإنه ستكون هناك مخاوف مشروعة من أن تستخدمها طالبان لمصالحها الداخلية، إضافة إلى مطاردة «داعش-خراسان». ويمكن أن يمتد هذا إلى تعقب الأفغان الذين كانوا حلفاء مقربين للولايات المتحدة. هذه هي القضايا الحقيقية التي يواجهها متخصصو الاستخبارات في التعامل مع الخصوم.

وعلى الرغم من تواصل مجتمع الاستخبارات الأميركي مع الدول الأخرى، فقد تدهورت العديد من العلاقات وسط الظروف الجيوسياسية المتغيرة. ولبضع سنوات بعد هجمات 11 سبتمبر، أفادت التقارير بأن أميركا حافظت على علاقات تبادل المعلومات الاستخباراتية مع دول مثل سورية وليبيا، وحتى إيران وروسيا كانتا أكثر احتمالاً للانخراط في التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. واليوم أصبح التنسيق وتبادل المعلومات بين البلدان أقل بكثير، وأصبح أمن الولايات المتحدة في خطر أكبر بكثير.

* خدم في وكالة المخابرات المركزية، وهو زميل غير مقيم في المجلس الأطلسي وأستاذ مساعد لدراسات الاستخبارات.

** مدير الأبحاث في مجموعة «سوفان» للاستشارات الأمنية والاستخباراتية ومقرها في مدينة نيويورك.

عن «بوليتيكو»

. حتى مع التحذيرات التي قدمتها الولايات المتحدة، لم يتمكّن الروس ولا أجهزة الأمن الإيرانية من منع الهجمات الأخيرة.

. الولايات المتحدة تُرسل أحياناً معلومات مجزأة في حالة تمكنها من تأكيد ما جمعته الدولة المتلقية بالفعل.

Share


تويتر


This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More